gamal abd alrahim.............................جمال عبد الرحيم

...... وما استعصى على قوم منال اذا الاقدام كان لهم ركابا

الاثنين، ديسمبر ٢٢، ٢٠٠٨

كوارث البر والبحر

يبدو أن فشل الحكومة في التوصل إلي أية حلول للحد من الارتفاع في معدلات السكان جعلها تفكر في وسائل بديلة لمواجهة تلك الزيادة.. آخر ما تم التوصل إليه ليس استخدام لولب رحمي من نوع خاص أو واقي ذكري وأنثوي جديد ولاحتي حبوب لمنع الحمل مستوردة ولكنها ابتكرت وسائل جديدة وهي قتل المواطنين.. فهناك من يُقتلون براً في حوادث الطرق التي تحصد أرواح العشرات من الأبرياء يومياً وتتناثر جثثهم علي الطرق المختلفة.. وهناك من يُقتلون في حوادث القطارات وتتفحم جثثهم فوق قضبان السكك الحديدية.. وهناك من يُقتلون في أعماق البحر المتوسط فوق قوارب الصيد المتهالكة وتلتهم جثثهم الأسماك أثناء محاولتهم السفر إلي بعض البلدان الأوروبية بحثاً عن فرص عمل وهرباً من شبح البطالة الذي يطاردهم وأملاً في تحسين أحوالهم المعيشية.. وهناك من يُقتلون في نهر النيل فوق معديات غير صالحة حتي للاستخدام الحيواني.. وهناك من يلجأون إلي الانتحار هرباً من الفقر والجوع والعطش.. وهناك من يُقتلون في المستشفيات الحكومية بسبب الإهمال والتسيب. ياسادة: رغم تكرار حوادث الغرق الجماعية في أعماق البحر المتوسط فوق قوارب الموت القديمة المتهالكة التي تبحر إلي المجهول في جنح الظلام إلا أن رحلات الموت لاتتوقف.. ورغم سقوط الآلاف من الشباب في قبضة سلطات الدول المختلفة قبل ترحيلهم إلينا في أيديهم القيود الحديدية إلا أن عمليات الهجرة غير الشرعية مستمرة.. يكاد لايمر يوم واحد إلا ويصل إلي مطار القاهرة العشرات بل المئات من الشباب عقب القبض عليهم أثناء محاولتهم دخول بعض البلدان الأوروبية بطرق غير شرعية.. ويكاد لايمر أسبوع واحد إلا ونفاجأ بحادث مروع يتعرض له فوج من الشباب الحالم بالسفر إلي شاطيء الثراء علي الجانب الآخر من البحر المتوسط وتلتهم الأسماك جثثهم. كل ذلك يحدث لشبابنا وحكومتنا الموقرة عاجزة عن التوصل إلي أية حلول لمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية.. حكومتنا الموقرة لاتتحرك كعادتها إلا عقب وقوع الكارثة مثلما حدث بعد غرق العشرات من الشباب في تركيا وإيطاليا مؤخرا فسمعنا تصريحات وردية وعبارات رنانة.. والمصيبة الكبري أن التحرك لايستمر طويلاً وسرعان ماتدفن تلك التصريحات الوردية والعبارات الرنانة مع جثث القتلي. وإذا كانت الهجرة غير الشرعية تحولت إلي ظاهرة خطيرة ومرعبة في السنوات الأخيرة إلا أن هناك ظاهرة تعد الأخطر والأكثر رعباً وهي حوادث الطرق.. تلك الظاهرة التي أصبحت تحتل المرتبة الثانية في أسباب الوفاة بعد الأمراض.. تلك المشكلة التي عجزت الحكومة عن مواجهتها أو الوصول إلي أية حلول لها. أعلم جيداً أن هذه ليست المرة الأولي ولن تكون الأخيرة التي نتحدث فيها عن حوادث الطرق.. تلك الكارثة التي تؤدي إلي خسائر بشرية واقتصادية فادحة.. ورغم تكرار حوادث الطرق التي تحصد أرواح العشرات من الأبرياء يوميا إلا أن المشكلة قائمة.. ورغم الندوات والمؤتمرات والتصريحات الحكومية إلا أن الظاهرة مستمرة. يا سادة: الطرق السريعة تحولت إلي مصيدة للقتلي بالعشرات يوميا وأصبح من المألوف أن يشاهد المارة سيارات الإسعاف وهي تجوب الطرق ليل نهار إما لنقل قتلي أو جرحي أو الإسراع لانقاذ ما يمكن إنقاذه.. أصبح من المألوف أن نشاهد السيارات المهشمة علي الطرق وقد اصطبغ الأسفلت باللون الأحمر وتناثرت جثث وأشلاء الأبرياء. الأرقام والاحصائيات خطيرة ومذهلة ومخيفة.. حوادث الطرق تحصد أرواحاً يفوق عددها ضحايا الحروب وخسائرها 9 آلاف قتيل و60 ألف مصاب و5 مليارات جنيه سنويا!!.. الأسباب معروفة للجميع ومنها عدم تفعيل قانون المرور وكذا عدم تغليظ عقوبة القتل الخطأ علي السائقين المتهورين الذين يتسببون في إزهاق أرواح الأبرياء علاوة علي سوء حالة الطرق وانتشار المطبات الصناعية والعشوائية وزيادة المنحنيات الخطيرة بطول الطرق. ويمكن القول انه رغم اهدار دم المصريين علي الطرق السريعة والبطيئة إلا أن الوزراء والمسئولين المعنيين بالقضية لا يعيرون الأمر اهتماما مما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان حياة المواطن المصري بلا ثمن.. ونظرا لانتشار ظاهرة حوادث الطرق في مصر فقد حذرت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وسويسرا رعاياها مؤخراً من خطورة الطرق المصرية وضرورة اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لتجنب الحوادث في الشارع المصري المحفوف بالمخاطر. وفي النهاية يمكن القول انه رغم ان العنصر البشري مازال هو السبب الأول وراء الحوادث بسبب الرعونة من قبَّل قائدي السيارات وخاصة النقل إلا أن الحكومة لم تفكر في تغليظ العقوبة المعمول بها حاليا والتي لا تزيد علي غرامة مالية بسيطة أو حبس مع وقف التنفيذ حيال هؤلاء المتهورين الذين يتسببون في إزهاق الأرواح.. وبالرغم من الأبحاث والدراسات والمؤتمرات توصلت إلي أن انتشار المطبات الصناعية العشوائية وزيادة المنحنيات الخطيرة بطول الطرق أحد الأسباب الرئيسية في تلك الحوادث إلا أن الحكومة تقف عاجزة عن معالجة هذه العيوب لوقف نزيف الأسفلت الذي يتدفق يوميا علي الطرق.. القضية يا سادة أكبر من أن ندفن رءوسنا في الرمال أو نتبع منهج جحا في الحياة.. "طالما ان المسألة لم تصل إلي بيته".. الأمر خطير ويحتاج إلي تحرك سريع لانقاذ الأبرياء من الموت براً وبحراً. آخر كلام: كانت الساعة تقترب من الثامنة صباح الأحد الماضي عندما تلقيت اتصالا هاتفيا من الزميلة "الإنسانة" عبير سعدي الصحفية بالأخبار وعضو مجلس نقابة الصحفيين تطلب مني مساعدتها في البحث عن بعض أكياس الدم لانقاذ حياة الشقيقة الصغري لزميلتنا "عصمت" الصحفية بجريدة الخميس.. وعلمت من عبير أن أسرة زميلتنا عصمت تعرضت لحادث سير أدي إلي وفاة والدها في الحال وإصابة والدتها بكسر مضاعف وشقيقتها الصغري "17 سنة" بنزيف في المخ.. وروت لي عبير المعاناة التي عاشتها زميلتنا "عصمت" ليلة كاملة وهي تجوب كل مستشفيات القاهرة الكبري بسيارة اسعاف لانقاذ حياة شقيقتها إلا أن جميع المستشفيات أغلقت الباب في وجهها حتي السابعة صباحا عندما وافق مستشفي الزهراء علي قبولها.. ولكن المعاناة استمرت رغم دخولها المستشفي وهي البحث عن أكياس دم فصيلة "A).. ورغم جهود بعض الزملاء في توفير بعض أكياس الدم إلا أنها لن تكف نظرا للنزييف الحاد الذي تعرضت له تلك الفتاة المسكينة.. الكارثة ان الدكتورة فاتن مفتاح مدير بنك الدم بوزارة الصحة لم تتمكن من توفير الدم اللازم للمصابة رغم اتصالي بها أكثر من مرة وهذا أمر خطير يجب ألا يسكت عليه وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلي.. المهم رحم الله والد زميلتنا "عصمت" مع المزيد من الدعاء بالشفاء العاجل لوالدتها وشقيقتها الصغري ضحايا حوادث الطرق.