gamal abd alrahim.............................جمال عبد الرحيم

...... وما استعصى على قوم منال اذا الاقدام كان لهم ركابا

الأحد، ديسمبر ١٤، ٢٠٠٨

جولة فى قصر الحمراء
















"ابكي مثل النساء مُلْكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال".. العبارة السابقة قالتها عائشة الحرة لابنها الأمير أبو عبد الله آخر ملوك مملكة غرناطة الإسلامية بالأندلس عندما شاهدته يجلس أمام قصر الحمراء وهو يبكي بعد أن سلم مفاتيح القصر لملك الصليبيين فرديناند وزوجته إيزابيلا عام 1492م. علي مدي ثلاث ساعات كاملة استمتعت بصحبة أعضاء المؤتمر الدولي حول قضايا الإسلام في الدول الأورو متوسطية الذي عقد بمدينة غرناطة الإسبانية مؤخراً بقصر الحمراء الذي يعد واحداً من أروع القصور في تاريخ العمارة الإسلامية. ومن أعظم الآثار الأندلسية الباقية حتي اليوم بما حواه من بدائع الصنع والفن. أول ما لفت انتباهي هو اختيار موقع القصر. فهو مبني علي هضبة مشرفة علي مدينة غرناطة.. وصلنا إلي أعلي الهضبة بعد اجتياز طريق متدرج في الارتفاع.. الهضبة عبارة عن غابة رهيبة متكاثفة الأشجار. أثناء تجولي داخل قصر الحمراء لم أشعر بأنني داخل قصر مميز فقط. بل شعرت بأنني داخل مدينة إسلامية متكاملة في كل شيء.. مفاجآت مبهرة داخل القصر. فكل جناح يتوسطه فناء له بالطبع خصائصه المتميزة. فهناك مثلاً فناء "الرياحين" وفناء "السباع" وتتوسط الأول بحيرة مستطيلة والثاني تتوسطه بركة شهيرة علمت أنه لم يعرف حتي الآن كيف توصل العرب إلي اختراع طريقة توزيع المياه فيها بقوة قذف متساوية من فم كل سبع يحيط بها. وعلمت كذلك أن السر ظل غامضاً واندفن مع غموضه حين حاول بعد المهندسين حل اللغز إذ توقفت البركة عن العمل وفق نظامها التكنولوجي العربي القديم. قصر الحمراء يتوزع علي أقسام ثلاثة.. الأول: هو "المشور" الذي كان يعقد فيه الملك مجلسه ويُصرف أمور دولته.. والثاني: قسم الاستقبالات الرسمية ويشمل الديوان وقاعة العرش.. والثالث: قسم الحريم ويضم المسكن الخاص بالملوك. "لا غالب إلا الله".. هذه العبارة منقوشة علي حوائط القصر وعلي جميع مبانيه لتحكي لنا عظمة الحضارة الأندلسية ورجالها المخلصين. قصر الحمراء يجمع أبهي صور الفن الإسلامي في الزخرفة والعمارة والخط والألوان. وإحدي عجائب العمارة الهندسية الباقية. حيث تصعد المياه إلي قمة هذا التل وتنساب في كل أرجاء القصر وحدائقه الواسعة. ومن سمات العمارة الإسلامية الواضحة في أبنية القصر استخدام العناصر الزخرفية الدقيقة كزخارف السجاد وكتابة الآيات القرآنية. بل حتي بعض المدائح والأوصاف من نظم الشعراء. ويمكن القول إن قصر الحمراء يعتبر مرآة للفن الإسلامي في أبهي مظاهره وتجلياته وخاصة فيما يتعلق بالزخارف. وأثناء تجولي داخل قصر الحمراء لاحظت عناية السلطات الإسبانية بهذا الصرح الشامخ والاهتمام به كمصدر من مصادر السياحة. يعتبر قصر الحمراء أحد العناوين البارزة علي التواصل الحضاري بين المسلمين وأوروبا.. فهذا القصر يبدو نموذجاً مميزاً من تصور الأندلس.. تعود بداية تشييده إلي عام 1238م علي يد السلطان محمد الأول بن الأحمر مؤسس السلالة النصرية. وجلب إليه الماء من نهر حدرة واتخذه قاعدة لملكه. وأنشأ حوله عدة أبراج منيعة.. وفي أواخر القرن السابع الهجري أنشأ السلطان محمد بن محمد بن الأحمر ثاني سلاطين غرناطة مباني الحصن الجديد والقصر الملكي.. ثم أنشأ ابنه الأمير محمد مسجداً بجوار القصر قامت محله فيما بعد كنيسة "سانتا ماريا".. ثم جاء السلطان أبوالوليد إسماعيل فزاد في القصر واهتم بجماله.. ويدين قصر الحمراء بفخامته وجماله المعماري والفني إلي السلطان يوسف أبي الحجاج الذي كان ملكاً شاعراً وفناناً موهوباً. حيث بني معظم الأجنحة وأغدق عليها من روائع الفن والزخارف وبني باب "الشريعة" المدخل الرئيسي حالياً للقصر. هناك ثمة خلاف حول تسمية هذا المعلم البارز باسم قصر الحمراء.. فهناك من يري أنه مشتق من بني الأحمر. وهم بنو نصر الذين حكموا غرناطة عقب سقوط دولة الموحدين منذ عامي 1232 و1492م.. بينما يري آخرون أن التسمية تعود إلي التربة الحمراء التي تمتاز بها الهضبة الذي تم تشييده عليها.. وهناك تفسير آخر.. أن التسمية ترجع إلي أن بعض القلاع المجاورة لقصر الحمراء كانت تعرف منذ القرن التاسع الميلادي باسم المدينة الحمراء. ويمكن القول إنه كان لزواج فرديناند ملك ليون وإيزالبيلا ملكة قشتالة دوراً كبيراً في سقوط مدينة غرناطة كآخر معقل للمسلمين في الأندلس عام 1492 حيث كونا تحالفاً قوياً ضد المسلمين وفي نفس الوقت انشغل ملوك بني الأحمر في الصراعات الداخلية وخاض المسلمون معارك طاحنة وهائلة دفاعاً عن وجودهم وكيانهم الأخير. ولكن الأمير أبوعبدالله آخر ملوك غرناطة عقد معاهدة التسليم مع الصليبيين وهي مكونة من سبعة وستين شرطاً منها تأمين المسلمين علي دينهم وأموالهم وعقيدتهم وحرياتهم مع العلم أنه لم يتم تنفيذ شيء من هذه المعاهدة.. وكان آخر العهد بأبي عبدالله أن وقف أمام قصر الحمراء. حيث سلم فرديناند وزوجته إيزابيلا مفاتيح القصر وظل يبكي.. هنا قالت له أمه عائشة الحرة مقولتها الشهيرة: "ابكي مثل النساء مُلْكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال".









































function openWindowforpic() {
window.open('')
}



Powered by :
جميع الحقوق محفوظة لدار التحرير للطبع والنشر ©E-mail:eltahrir@eltahrir.net