gamal abd alrahim.............................جمال عبد الرحيم

...... وما استعصى على قوم منال اذا الاقدام كان لهم ركابا

الأحد، ديسمبر ١٤، ٢٠٠٨

صلاح الدين حافظ .....فارس الكلمة والقلم

بعد حياة حافلة بالعطاء فقدت الصحافة المصرية والعربية واحدا من أبرز المدافعين عن حريتها.. نعم فقدنا فارسا وعلما ومثالا يحتذي به في الخلق الرفيع والتواضع والالتزام بقضايا المهنة وقضايا الأمة.. فقدنا إنساناً وكاتبا متميزا نال كل الاحترام والتقدير من الجميع.. فقدنا واحدا من أبرز المناضلين الشرفاء في ساحتي العمل النقابي والسياسي.. فقدنا فارسا للكلمة الحرة مدافعا بشراسة عن الديمقراطية والوطن والمواطن.. فقدنا أستاذا تبني طوال حياته المهنية مواقف سياسية مستقلة ودافع بكل قوة عن العدالة الاجتماعية في مصر والوطن العربي.. فقدنا نقابيا كرس جهده وقلمه علي مدي سنوات طويلة للعمل النقابي والدفاع عن الحريات.. فقدنا أستاذنا الكبير صلاح الدين حافظ. تحت عنوان "صلاح الدين حافظ.. وكلمة حق" كتبت في هذا المكان يوم 14 أغسطس من العام الماضي مقالا عن أستاذنا الكبير صلاح الدين حافظ عقب تسلمه الجائزة التقديرية لنقابة الصحفيين.. وفي صباح نفس اليوم فوجئت به يتصل بي هاتفيا.. كعادته جاءت كلماته مهذبة ورقيقة تحمل شكرا لي علي ما كتبته.. قلت له: إن ما ذكرته عنك أقل بكثير مما تستحق فأنت أستاذ كبير خلوق.. أما اتصالك بي فهذا شرف كبير ووسام علي صدري لن أنساه طوال حياتي.. ودار حوار طويل بيني وبين أستاذنا القدير عن المهنة ونقابة الصحفيين. وليسمح لي عزيزي القاريء إعادة نشر المقال الذي كتبته في نفس المكان يوم الثلاثاء 14 أغسطس 2007 تحت عنوان "صلاح الدين حافظ.. وكلمة حق". جلست صامتا.. مستمعا.. مستمتعا.. متعلما من أستاذنا القدير الكاتب الكبير صلاح الدين حافظ في كلمته التي ألقاها يوم الثلاثاء الماضي في الحفل الذي أقامته نقابة الصحفيين للاحتفال بيوم الصحفي والذي تسلم فيه أستاذنا الجليل الجائزة التقديرية للصحافة.. صلاح الدين حافظ رجل خلوق متواضع.. كلماته مهذبة ومحترمة.. عباراته صادقة.. أسلوبه جميل وبديع نال إعجاب واحترام الجميع واستحق التحية الكبيرة والتصفيق الحار ناهيك عن الحب والإعجاب والتقدير. ولأنه إنسان مهذب ومحترم وأصيل لم ينس أساتذته سواء في دراسته الجامعية أو حياته العملية فشكر الدكتور عبداللطيف حمزة والدكتور خليل صابات والأستاذين الكبيرين محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين بل إنه تذكر بلدياته ابن محافظة المنيا الدكتور طه حسين وأكد أنه كان يحلم وهو طفل أن يسير علي خطاه فإذا به يقرأ له ويقرأ عنه ويقرأ علي هداه. لقد كان صلاح الدين حافظ صادقا عندما قال: "إن صحافتنا في مأزق.. بالأمس كانت رائدة تنتج وتبدع وتبادر وتبتكر وتؤثر.. والآن صارت تنازع حفاظا علي ما هي فيه.. وتحارب في أكثر من جبهة.. جبهة الدفاع عن حريتها وجبهة المنافسة مع صحف ومدارس صحفية أخري برزت في المنطقة. وصف صلاح الدين حافظ حرية الصحافة بالجسد والروح معا والعقل والقلب معا والشكل والمضمون معا وأكد أن هامش حرية الصحافة المتاح حاليا يقع تحت ضغوط التربص وردع الترهيب وإغواء الترغيب وأن أعداء حرية الصحافة يتخندقون في دهاليز المؤسسات السياسية والتنفيذية والتشريعة والحزبية ويرفعون القوانين الجائرة سيفا والإجراءات الأمنية الاستثنائية سلاحا والعقوبات السالبة للحريات أداة قمع وردع لأنهم لا يؤمنون أصلا بالحرية للصحافة ولا حتي للوطن الذي لا نريده وطنا حرا لمواطنين أحرار ويريدونه وطنا علي المقاس ومواطنا رهن الطاعة والولاء. واعتبر صلاح الدين حافظ الجهود التي تبذلها نقابة الصحفيين لتغيير واقع الصحافة وتحسين أوضاع الصحفيين جهودا متقطعة تتعثر علي الدوام في حسابات متناقضة وارتباطات متعددة وضغوط عاتية.. وقد ظهر ذلك واضحا علي مشروع النقابة للائحة الأجور وكذلك محاولات تعديل التشريعات المقيدة لحرية الصحافة. أعجبتني الحلول التي طرحها صلاح الدين حافظ لمواجهة التحديات عندما قال: "يجب علينا أن نفكر ونبدع لكي نخرج صحافتنا الحالية من مأزقها ومن التحديات الصعبة المطروحة عليها وعلينا.. فهناك التحديات السياسية والقانونية التي مازالت تعرقل الانطلاق الحقيقي لحرية الصحافة والرأي.. وهناك المنافسة بين الصحافة التقليدية والصحافة الإلكترونية الحديثة والجذابة.. وهناك الأوضاع الرتيبة للصحافة القومية التي زرعت فيها بذور الفساد والتراجع.. وهناك حالات الالتباس المعيب بين الإعلام والإعلان الذي أفسد أخلاقيات المهنة.. وهناك التدهور الواضح في الحرفة والمهنة.. وهناك الاختراق الأجنبي المذهل للصحافة والإعلام عبر الأموال والمساعدات السخية والمغرية.. وهناك تدني الأحوال المعيشية والمالية للصحفيين والتفاوت الرهيب بين الدخول وكلها تحديات أفقدت الصحافة ثقة قرائها وحاصرتها في دائرة ضيقة من الانتشار والتأثير. ولأن صلاح الدين حافظ إنسان محترم خلوق حريص علي مهنته النبيلة اعترض وبشدة علي الانتهاك المتكرر لقواعد المهنة وحملات التحريض والتشويه وكذلك التنابز بالألفاظ والتدهور المذهل في لغة الخطاب المنشور علي صفحات بعض صحفنا خصوصا بين الزملاء.. زملاء المهنة الواحدة.. ورفاق السلاح الواحد وهو القلم.. وما أدراك مالقلم ورسالته. وعن الجائزة التي حصل عليها صلاح الدين حافظ قال: "لقد تلقيت باعتزاز جوائز دولية وعربية ومصرية عديدة من قبل.. من وسام العلوم والفنون إلي جائزة الصحافة العربية.. لكن تبقي لجائزة نقابة الصحفيين المصريين كل القيمة العالية والإعزاز الغالي.. لأنها جاءت من البيت الهانيء والحضن الدافيء والملجأ لكل صحفي". وفي النهاية أتمني من نقيبنا الأستاذ مكرم محمد أحمد وزملائي أعضاء مجلس نقابة الصحفيين أن نتخذ قرارا في أول اجتماع لمجلس النقابة بإطلاق اسم الكاتب الكبير المرحوم صلاح الدين حافظ علي قاعة الاحتفالات الكبري بالنقابة. رحم الله أستاذنا الكبير المرحوم صلاح الدين حافظ وتغمده بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وألهمنا جميعا الصبر والسلوان.