gamal abd alrahim.............................جمال عبد الرحيم

...... وما استعصى على قوم منال اذا الاقدام كان لهم ركابا

الاثنين، ديسمبر ٢٢، ٢٠٠٨

..والموت تحت الانقاض

تحت عنوان "كوارث البر والبحر" تحدثت في الأسبوع الماضي عن العديد من الكوارث التي يتعرض لها الشعب المصري وتؤدي إلي مقتل الآلاف من المواطنين سنويا وعلي رأسها حوادث الطرق التي تحصد أرواح العشرات من الأبرياء يومياً وحوادث القطارات وغرق أفواج الشباب أثناء محاولتهم السفر إلي أوروبا للبحث عن فرص عمل مناسبة. وصباح الثلاثاء الماضي وصلتني رسالة عبر هاتفي المحمول من زميلي وصديقي العزيز أيمن نصر الله الصحفي المعروف بالجمهورية والذي يعمل حالياً بإحدي الصحف الكويتية تعليقاً علي ما كتبته تقول "..والموت جواً .. والموت تحت الأنقاض.. والموت غيظاً.. والموت كمداً من بلادة الحكومة". شعرت من رسالة زميلي وصديقي العزيز أيمن نصر الله عتاباً خفيفاً لذيذاً لأن مقالي لم يتناول قضية انهيار عمارة الإسكندرية التي سقطت فوق رؤوس سكانها وراح ضحيتها العشرات من السكان الأبرياء.. وفي الحقيقة سعدت كثيرا بعتاب صديقي نصر الله لأنه يؤكد علي الحب والاحترام والتواصل بيننا منذ سنوات طويلة حتي بعد سفره إلي الخارج ويشير إلي حرصه الشديد علي كل ما أكتبه باستمرار. وأوضح لزميلي العزيز "الخلوق" أيمن نصر الله أن أسباب عدم تناولي قضية انهيار عمارة لوران بالإسكندرية في مقال الثلاثاء الماضي ترجع إلي أنني أكتب هذه السطور مساء الأحد من كل أسبوع حتي تأخذ طريقها إلي النشر بينما عمارة الإسكندرية سقطت في العاشرة والنصف صباح الاثنين وبالتالي لم أتمكن من تناولها. وليعلم صديقي العزيز أنني كنت أتابع تفاصيل حادث انهيار عمارة الإسكندرية لحظة بلحظة مع زملائي الصحفيين بالإسكندرية وكم كنت حزيناً.. مثل ملايين المصريين علي الضحايا والأبرياء الذين قتلوا تحت الأنقاض بسبب الفساد الحكومي. ياسادة: حادث عمارة لوران بالإسكندرية التي راح ضحيتها حوالي 35 شخصاً ماهو إلا حلقة جديدة من مسلسل فساد المحليات ليس في الإسكندرية وحدها ولكن في جميع أنحاء الجمهورية.. كعادتنا لانتحرك إلا بعد وقوع الكارثة.. كالعادة لانكتشف التقصير والإهمال إلا عقب وقوع المصيبة.. فعندما غرقت العبارة سالم اكسبريس في 15 ديسمبر 1991 والتي راح ضحيتها 469 شخصاً اكتشفنا مخالفة جميع السفن والبواخر لشروط الأمن والسلامة وسمعنا وقتها تصريحات رنانة من كبار المسئولين بالإصلاح وسرعان ما غرقت تلك التصريحات في أعماق البحر بجوار جثث القتلي.. وبالطبع تكرر الحادث مرة أخري عندما غرقت العبارة سالم السلام 98 فجر الجمعة 3 فبراير 2006 وراح ضحيتها أكثر من ألف شخص من المواطنين البسطاء. وعندما وقعت محرقة قصر ثقافة بني سويف واستشهد فيها أكثر من 55 شخصا من الصحفيين والكتاب والمثقفين تبين لنا مخالفات جسيمة. وعندما تغرق أفواج الشباب في أعماق البحار نفاجأ بفضائح عديدة. وما حدث في كارثة عمارة لوران بالإسكندرية ياسادة ياكرام تكرر من قبل كثيرا عندما سقطت عشرات العمارات فوق رؤوس سكانها كان من أشهرها عمارة "كاملة" وعمارة رؤوف ويصا وعمارة الحجاز بمصر الجديدة وعمارة مدينة نصر.. إلخ.. وبعد كل كارثة من تلك الكوارث كنا نسمع تصريحات من كبار المسئولين بأن 90% من عمارات القاهرة مخالفة. أذكر أنني قمت بتغطية معظم هذه الكوارث وشاهدت بنفسي المآسي التي تعرض لها سكان تلك العمارات.. أذكر أنني نشرت العشرات بل المئات من تصريحات كبار المسئولين عقب كل كارثة بسرعة إزالة جميع الأدوار المخالفة فوراً ولكن سرعان ماطارت تلك التصريحات في الهواء ولم تزل طوبة واحدة من آلاف العمارات المخالفة!! وما حدث في كارثة عمارة لوران بالإسكندرية ياسادة يا أفاضل تكرر من قبل عشرات المرات بنفس السيناريو والحوار والإخراج والشيء الوحيد المختلف هم الأبطال "الممثلون" فعندما تشاهد ماتبثه الفضائيات وماتنشره الصحف عن كارثة عمارة الإسكندرية تشعر أنك قد شاهدت هذا الفيلم من قبل.. بالطبع أنت قد شاهدته بالفعل في عمارات مصر الجديدة ومدينة نصر وغيرها.. فبعد الحادث مباشرة يدلي سيادة المحافظ بتصريحات من موقع الحادث بأن أسباب الانهيار ترجع إلي أن العمارة مخالفة. وصادر لها قرار إزالة إلا أن السكان رفضوا التنفيذ!!.. أثناء ذلك يصدر بيان من وزارة الصحة يفيد أن جميع المستشفيات جاهزة لاستقبال المصابين وأنه تم إعلان حالة الطواريء واستدعاء الأطباء من منازلهم ثم ترد عليها وزارة الداخلية بأن قوات الإنقاذ تواصل عملها لرفع الأنقاض وإنقاذ الضحايا. بعد ذلك تعلن وزارة التضامن الاجتماعي "الشئون الاجتماعية سابقاً" صرف ألف جنيه لكل مصاب و5 آلاف لكل متوفي.. وفي اليوم التالي يعقد مجلس الوزراء اجتماعاً عاجلاً لمناقشة القضية ينتهي بتصريحات وردية وتهديد ووعيد لمن يخالف التعليمات الوزارية بعدها يتقدم بعض نواب الشعب بطلبات إحاطة عن الكارثة إلي مجلس الشعب ونسمع أصواتاً عالية عبر شاشات التليفزيون ومشاجرات ومشاحنات تنتهي بتكليف لجنة من المجلس لبحث الموضوع.. وبعد أربعة أو خمسة أيام من الكارثة تعلن قوات الدفاع المدني انتهاء عملها بنجاح بعد رفع جميع الأنقاض وانتشال جميع الجثث ويكون هذا المنظر هو الأخير في الفيلم ولا تجد الصحف عقب ذلك ما تنشره إلا خبراً علي نصف عمود بتجديد حبس 4 شبان استولوا علي بعض متعلقات الضحايا من موقع الحادث!! وفي النهاية.. هل يمكن أن نستوعب الدرس هذه المرة بعد أن فقدنا 35 شخصاً دفعة واحدة تحت أنقاض عمارة لوران حتي لا تتكرر الكارثة؟ وهل سيتم تفعيل القانون حيال المخالفين والمقصرين؟ وهل تقوم المحليات بواجبها في تنفيذ القانون وإزالة العمارات المخالفة؟ أم أن الأمر سيكون مجرد سحابة ولا ننتبه إلا بعد وقوع كارثة جديدة لا قدر الله؟ وأخيراً هل تفكر الحكومة في إنشاء وزارة أو جهة مستقلة تتولي إدارة الأزمات؟.. أتمني.. وكل عام وأنتم بخير بمناسبة العام الجديد. .