gamal abd alrahim.............................جمال عبد الرحيم

...... وما استعصى على قوم منال اذا الاقدام كان لهم ركابا

الاثنين، ديسمبر ١٥، ٢٠٠٨

الدويقة فيلم قديم

يكاد لا يمر يوم واحد إلا وتفاجأ بكارثة مروعة تحصد أرواح العشرات من المواطنين الأبرياء البسطاء.. يبدو أن الشعب المصري مكتوب عليه أن يتعرض لتلك الكوارث الإنسانية البشعة.. يبدو أن الشعب المصري مكتوب عليه الموت قتلاً براً وبحراً.. فهناك من يقتلون براً في حوادث الطرق التي تحصد أرواح العشرات من الأبرياء يومياً وتتناثر جثثهم علي الطرق المختلفة.. وهناك من يقتلون في حوادث القطارات وتتفحم جثثهم فوق قضبان السكك الحديدية.. وهناك من يقتلون تحت الأنقاض بعد أن تنهار العمارات فوق رؤوسهم.. وهناك من يقتلون في أعماق البحار فوق قوارب الصيد المتهالكة وتلتهم جثثهم الأسماك أثناء محاولتهم السفر إلي بعض البلدان الأوروبية بحثاً عن فرص عمل أو تغرق بهم العبَّارات أثناء عودتهم إلي أرض الوطن كما حدث في كارثتي العبَّارتين "سالم إكسبريس" و"السلام 98".. وهناك من يقتلون في نهر النيل فوق معديات غير صالحة حتي للاستخدام الحيواني.. المقدمة السابقة كان لابد منها قبل حديثي عن كارثة الدويقة التي وقعت صباح السبت الماضي وحصدت أرواح العشرات من المواطنين البسطاء إثر انهيار بعض الكتل الصخرية فوق مجموعة من العشش العشوائية بالمنطقة.. تلك الكارثة ما هي إلا حلقة جديدة من مسلسل فساد المحليات ليس في القاهرة وحدها ولكن في جميع أنحاء الجمهورية. وأعتقد أن كارثة الدويقة ليست مفاجأة. فهناك دراسات صادرة عن المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية تؤكد أن صخور هضبة المقطم تنذر بالانهيار في أي وقت وتحذر من وجود تجمعات سكنية حول الهضبة. نعم كارثة الدويقة ليست مفاجأة فقد شهدت نفس المنطقة من قبل حادثاً مأساوياً راح ضحيته حوالي 35 شخصاً إثر سقوط كتلة صخرية من الجبل علي مجموعة من المنازل العشوائية وتم تشكيل لجنة فنية من الخبراء المختصين أعدت تقريراً حذرت فيه من انهيارات جديدة ووضعت خطة لتفادي تكرار الكارثة إلا أن تقرير اللجنة اختفي منذ ذلك الوقت!! ويمكن القول إن حكومتنا الموقرة مسئولة عن تلك الكارثة لأنها تجاهلت كل التقارير الرسمية التي تحذر من انهيار الكتل الصخرية فوق رؤوس السكان وكان من الممكن أن نتفادي تلك المصيبة وإنقاذ المواطنين الأبرياء عن طريق نقلهم إلي الوحدات السكنية المعدة لهم سلفاً خاصة أن المسئولين يعلمون تماماً أن احتمالات انهيارها واردة في أي وقت. وكعادتنا لا نتحرك إلا بعد وقوع الكارثة.. كعادتنا لا نكتشف التقصير والإهمال إلا عقب وقوع المصيبة... الخطورة أن تحركنا لا يستمر طويلاً. وسرعان ما تعود الأمور إلي ما كانت عليه. وما حدث في كارثة الدويقة يا سادة يا كرام تكرر من قبل كثيراً عندما سقطت عشرات العمارات فوق رؤوس سكانها.. وبعد كل كارثة من تلك الكوارث كنا نسمع تصريحات من كبار المسئولين وسرعان ما تدفن تلك التصريحات مع جثث القتلي.. ما حدث في كارثة الدويقة تكرر من قبل في شهر ديسمبر عام 1993 عندما سقطت كتلة خرسانية فوق رؤوس السكان بالقرب من الحادث الحالي.. أذكر أنني قمت بتغطية ذلك الحادث وشاهدت بنفسي المآسي التي تعرض لها السكان.. أذكر أنني نشرت العشرات من التصريحات علي لسان كبار المسئولين عقب الكارثة بنقل المواطنين إلي مناطق بعيدة من جبل المقطم وتوفير مساكن لهم وإجراء الدراسات اللازمة عن المنطقة.. إلخ.... ولكن سرعان ما طارت تلك التصريحات في الهواء أو دفنت مع جثث الضحايا!! ويمكن القول إن ما حدث في كارثة الدويقة تكرر من قبل عشرات المرات بنفس السيناريو والإخراج. فعندما تشاهد ما تبثه الفضائيات وما تنشره الصحف عن كارثة الدويقة تشعر أنك قد شاهدت هذا "الفيلم" من قبل.. بالفعل أنت قد شاهدته في كوارث أخري.. فبعد الحادث مباشرة ينتقل سيادة المحافظ ويدلي بتصريحات يتهم فيها المواطنين بأنهم وراء الكارثة لأنهم رفضوا تنفيذ قرارات الإزالة!!.. أثناء ذلك يصدر بيان من وزارة الصحة يفيد أن جميع المستشفيات أعلنت حالة الطوارئ لاستقبال المصابين. وأنه تم استدعاء الأطباء من منازلهم. وهنا ترد عليها وزارة الداخلية ببيان أكثر سخونة يفيد أن قوات الإنقاذ تواصل عملها في رفع الأنقاض وإنقاذ الضحايا. ثم تعلن وزارة التضامن الاجتماعي "الشئون الاجتماعية سابقاً" صرف 2000 جنيه لكل مصاب و5 آلاف لكل متوف.. وفي اليوم الثاني يعقد مجلس الوزراء اجتماعا عاجلاً لمناقشة القضية ينتهي بتصريحات وردية.. بعدها يتقدم بعض نواب الشعب بطلبات إحاطة عن الكارثة إلي مجلس الشعب. ونسمع مشاجرات ومشاحنات تنتهي بإحالة الموضوع إلي لجنة الشكاوي!!.. وبعد أسبوع تعلن قوات الدفاع المدني عن انتهاء عملها بنجاح وانتشال جميع الجثث.. وفي النهاية يصدر النائب العام قراراً بحبس المقاول أو صاحب العمارة 4 أيام علي ذمة التحقيق بتهمة التسبب في الكارثة!!.. وكذا حبس 4 شبان بتهمة الاستيلاء علي بعض متعلقات الضحايا!!.. وفي النهاية تبقي عدة أسئلة مهمة: هل يمكن أن نستوعب الدرس هذه المرة؟. هل يمكن تفعيل القانون حيال المخالفين والمقصرين؟.. هل تفكر الحكومة في إنشاء وزارة أو جهة مستقلة تتولي إدارة الأزمات؟.. أتمني ألا يكون الأمر مجرد سحابة ولا ننتبه إلا بعد وقوع كارثة جديدة لا قدر الله