gamal abd alrahim.............................جمال عبد الرحيم

...... وما استعصى على قوم منال اذا الاقدام كان لهم ركابا

الثلاثاء، يونيو ٠٥، ٢٠٠٧

انتحار الحكومة

يكاد لا يمر يوم واحد إلا وتنشر الصحف حادث انتحار شاب أو أكثر بسبب فشلهم في الحصول علي فرصة عمل.. يكاد لا يمر أسبوع إلا ويصل إلي مطار القاهرة المئات من الشباب المرحلين عقب سقوطهم في قبضة سلطات الدول الأوروبية والعربية المختلفة أثناء محاولتهم الهجرة غير الشرعية هرباً من شبح البطالة الذي يطاردهم.. يكاد لا يمر عام إلا نفاجأ بكارثة مروعة يتعرض لها فوج من الشباب الحالم بالسفر إلي شاطيء الثراء علي الجانب الآخر من البحر المتوسط وتعود إلينا جثثهم بعد أن يغرق مركبهم. وتضيع أموالهم وتتلاشي أحلامهم. آخر هذه الحوادث التي نشرتها الصحف يوم الخميس الماضي هي انتحار 3 شباب في يوم واحد وبمحافظة واحدة هي القليوبية بسبب البطالة وغلاء المعيشة.. الأول عبد النبي عبد الهادي شنق نفسه بحبل بسقف غرفة نومه أثناء غياب زوجته.. والثاني شريف صلاح الدين عبد الهادي القي بنفسه في نهر النيل فرع رشيد.. والثالث وائل مصطفي عبد الوهاب القي بنفسه بترعة الإسماعيلية. اعتقد مازلنا نذكر قصة الشاب عبد الحميد شتا "25 سنة" خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة الذي تقدم في مسابقة لمكتب التمثيل التجاري التابع لوزارة التجارة الخارجية وتم اختياره للوظيفة مع 34 متسابقا آخرين من بين ألف متقدم.. وكان شابا متفوقا ويجيد عدة لغات أجنبية وحاصلاً علي أكثر من دورة في مجال التكنولوجيا.. وظل المسئولون يرفضون إعلان النتائج النهائية انتظارا لرأي الجهات الأمنية التي وقفت في وجه تحقيق حلم هذا الشاب الناجح لتمثيل بلاده في الخارج عندما أكدت أنه غير لائق اجتماعيا لأن والده فلاح بسيط ومن أسرة متواضعة فاتجه إلي كوبري أكتوبر والقي بنفسه في نهر النيل. وانتحار الشباب بسبب فشلهم في الحصول علي فرصة عمل تحولت إلي ظاهرة خطيرة ومرعبة في السنوات الماضية فالاحصاءات الرسمية مزعجة ومخيفة وتشير إلي انتحار 1138 حالة عام 2004 و1163 عام 2005 و2355 عام 2006 بالقاهرة فقط وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الظاهرة تتزايد يوما بعد يوم وبالرغم من ذلك تقف حكومتنا الموقرة عاجزة عن مواجهة المشكلة وكعادتها لا تتحرك إلا بعد وقوع الكارثة وسرعان ما تعود إلي ما كانت عليه.. فعندما يتعرض فوج من الشباب للغرق في اعماق البحر نسمع تصريحات رنانة ووعوداً براقة من كبار المسئولين ثم سرعان ما تدفن هذه التصريحات وتلك الوعود مع جثث القتلي. المصيبة أن حكومتنا تلجأ دائما إلي تسطيح أو تهميش القضية فعندما تأتي المعارضة ببيانات واحصائيات عن ارتفاع نسبة البطالة يكذبها رئيس الحكومة ويقدم لنا أرقاماً واحصائيات مختلفة بالطبع تكون أقل بكثير.. وعندما يغرق فوج من الشباب في اعماق البحر يتحدثون عن اخطاء الشباب في الهجرة غير الشرعية وينسون أو يتناسون الأسباب التي دفعتهم إلي ذلك.. وعندما ينتحر شاب لفشله في الحصول علي فرصة عمل يتهمونه بالمرض النفسي.. وعندما يقتل مواطن ابنته لعدم قدرته علي الانفاق عليها يتهمونه بالتخلف العقلي!! بالطبع ليست هذه هي المرة الأولي ولن تكون الأخيرة التي نتحدث فيها عن واحدة من أهم المشكلات التي تؤرق الشعب المصري بل وتهدده وهي مشكلة البطالة.. تلك المشكلة التي يعاني منها كل بيت مصري.. تلك المشكلة التي طالب بسببها بعض نواب البرلمان سحب الثقة من الحكومة لفشلها وعجزها وعدم قدرتها علي مواجهتها منذ 27 عاما.. تلك المشكلة التي تحولت إلي قنبلة موقوتة تهدد المجتمع بانتشار الانحراف الاجتماعي وارتفاع معدلات الجريمة.. تلك المشكلة التي تؤدي إلي انتحار المئات من الشباب سنويا.. تلك المشكلة التي تؤدي إلي غرق عشرات الشباب في البحار سنويا وتعرض المئات لمهانة الاعتقال والترحيل ناهيك عن الاضرار بسمعة مصر في الخارج. أسباب الظاهرة معروفة للجميع وهي زيادة اعداد الخريجين عاما بعد عام وقلة فرص العمل من جانب الحكومة.. القضية يا سادة يا كرام أكبر من أن ندفن رؤوسنا في الرمال أو نتبع منهج جحا في الحياة "طالما أن المسألة لم تصل إلي بيته" الأمر خطير ويحتاج إلي تحرك سريع لإنقاذ شبابنا من الانتحار شنقاً أو غرقاً. وطالما نتحدث عن ظاهرة الانتحار هناك سؤال مهم هو: هل يمكن أن تفكر حكومتنا الموقرة في الانتحار الجماعي "شنقاً أو غرقاً" بسبب فشلها في حل مشكلة البطالة وأن تقلد وزير الزراعة الياباني توشيكاتو ماتسوكا الذي شنق نفسه في العاصمة طوكيو لتورطه في فضيحة مالية؟