gamal abd alrahim.............................جمال عبد الرحيم

...... وما استعصى على قوم منال اذا الاقدام كان لهم ركابا

الثلاثاء، مايو ٢٩، ٢٠٠٧

قدرى عزب استاذ مهذب


قبل أسبوع من وفاته.. التقيت به في مدخل المؤسسة.. كان في طريقه إلي منزله عقب انتهاء عمله اليومي.. عانقته وقبلته بشدة كعادتي معه عند كل لقاء.. دار بيننا حوار قصير قبل أن أتركه علي وعد بلقاء قريب في الأيام المقبلة.. بعد أسبوع واحد وفي نفس الزمان والمكان انخطف قلبي وشُلَّت حركتي عندما فوجئت بنبأ وفاته في لوحة الإعلانات.. نعم فارق الحياة بهدوء شديد كعادته وطبيعته.. نعم فقدنا استاذاً كبيراً ومعلماً عظيماً وأباً حنوناً وصديقاً عزيزاً.. .. أستاذ الأجيال وناظر مدرسة الصحافة المحترمة الصادقة. الأستاذ الكبير المرحوم قدري عزب.. عرفته وأنا مازلت طالباً بالمرحلة الجامعية من خلال كتاباته وموضوعاته الشيقة.. فقد كان عَلَماً ونجماً في سماء بلاط صاحبة الجلالة.. وعند التحاقي للعمل بقسم الحوادث والقضايا بجريدة "الجمهورية" عرفته عن قرب وأعتز وأفخر أنني عملت تحت رئاسته وتتلمذت علي يديه فترة طويلة كان خلالها مثالاً للأستاذ الكبير الخلوق المهذب المحترم المرح خفيف الظل.. تعلمت علي يديه الكثير والكثير من فنون الصحافة المحترمة الصادقة. قدري عزب.. لم أشعر لحظة واحدة أنه رئيس لي أو لغيري من الزملاء.. كان يتعامل معنا جميعاً مثل الأب الحنون والصديق المخلص والأستاذ والمعلم المتواضع الخجول.. كان يسبقنا نحن الشباب بنشاطه الواسع وعطائه الوافر الذي لم يتوقف إلا بعد وفاته.. كان يتوجه يومياً إلي مصادره في حيوية ونشاط سيراً علي الأقدام ويعود لجريدته محملاً بالعديد من الموضوعات الشيقة المتميزة. قدري عزب.. لم أعرف عنه يوماً أنه سعي وراء منصب أو جاه أو سلطة أو مال.. كانت كل طموحاته وأحلامه وآماله الاستمرار في بذل الجهد والعطاء مثل أصغر المحررين من تلاميذه.. كان يجلس بيننا في صالة التحرير التي تضم الصحفيين الشبان.. لم يطلب يوماً أن يكون له مكتب خاص به أو سكرتيرة تعد له أجندة مواعيده رغم اسمه الكبير وشهرته الواسعة في عالم الصحافة. قدري عزب.. تعلمنا منه الأسلوب الجميل البديع الراقي.. كنا ننتظر يوم السبت من كل أسبوع لنقرأ ونستمتع ونتعلم من موضوعاته الشيقة وأسلوبه البسيط وعناوينه المتفردة في صفحته الشهيرة التي كان يحررها بنفسه "حكمت المحكمة" تلك الصفحة التي سبقت كل الصحف المصرية والعربية في كتابة الجريمة بأسلوب شيق وبطريقة أدبية وإنسانية رائعة. قدري عزب.. وقف بجانبي منذ التحاقي للعمل ب"الجمهورية" وعندما تعرضت لمشكلة مع إدارة المؤسسة لم يتخل عني. بل ظل يساندني ويتدخل باستمرار لحل المشكلة. وعندما طلبوا منه التوقيع علي مذكرة ضدي رفض وأصر علي رفضه وبخفة دمه المعروفة قال لهم: "أنا لا أوقع إلا علي شيكات فقط".. نعم لم يخش أحداً مثل غيره الذين تسابقوا للوقوف ضدي.. الله يسامحهم بقي. قدري عزب.. ناظر مدرسة الصحافة المحترمة.. عميد كلية الكلمة الطيبة.. رئيس جامعة العبارة الصادقة.. فارس بقلم جريء.. مهذب بدرجة امتياز.. حاصل علي درجة الماجستير في الأخلاق والشجاعة والمرح وخفة الظل.. حاصل علي دكتوراة في الشجاعة والأدب وشهامة أبناء البلد. قدري عزب.. ضرب مثلاً للجهد والعطاء وأثبت للجميع أن الصحفي لا يُحال إلي التقاعد. يظل يعطي حتي آخر يوم في عمره.. هذا ليس كلاماً من عندي أو من نسيج خيالي. ولكنه حدث بالفعل.. ارجعوا إلي العدد الأخير من ملحق "دموع الندم" ب"الجمهورية" الصادر يوم السبت الماضي 26 مايو 2007 أي بعد وفاته بيومين تجدوا موضوعاً جميلاً شيقاً يحمل عنوان "الثري الذي ضل الطريق" في الصفحة التي يحررها منذ فترة طويلة التي تحمل عنوان "من سجلات المحاكم". قدري عزب.. محامي الفقراء كما قال عنه أستاذنا صالح إبراهيم.. نعم محامي الفقراء والمظلومين.. دافع كثيراً عنهم.. كان يستغل علاقته الطيبة وصداقته القوية بمصادره من المستشارين وأعضاء النيابة العامة والمحامين لحل مشاكل القراء من الفقراء والمظلومين الذين كانوا يتوافدون علي مكتبه يومياً لإنصافهم من ظلم وقع عليهم أو إعادة حقوق سلبت منهم. قدري عزب.. ليس غريباً أن يحصل علي وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي أو شهادات تقدير من جهات محترمة مختلفة آخرها من مجلة "حريتي" في شهر فبراير الماضي. فهو يستحق أكثر من ذلك بكثير.. ليس غريباً أن يصدر مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر في نهاية أبريل الماضي قراراً بالإجماع بمد الخدمة له لدماثة خلقه وجهده المعروف وخبرته الطويلة وعلاقاته الطيبة بمصادره. الأستاذ قدري عزب.. كما قلت لك في آخر لقاء بيننا لقاء الوداع أنت أستاذي.. أنت معلمي.. أنا تلميذك.. لن أنسي فضلك طوال حياتي.. لن ننسي وجهك المتبسم.. نعم لن ننساك ما دام في العمر بقية.. لك ألف رحمة. ولأسرتك الكريمة ولنا جميعاً الصبر والسلوان.
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسية