gamal abd alrahim.............................جمال عبد الرحيم

...... وما استعصى على قوم منال اذا الاقدام كان لهم ركابا

الخميس، مايو ١٧، ٢٠٠٧

اعدام قانون الغش 3

يبدو أن الضجة المثارة حالياً بشأن قضية أكياس الدم الملوثة المتورط فيها عضو البرلمان هاني سرور وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب ستموت قريباً ويغلق الملف دون محاسبة أو محاكمة مثلما حدث من قبل في العشرات بل المئات من القضايا المهمة التي شغلت الرأي العام فترات طويلة ومرت مرور الكرام بصرف النظر عن ضحاياها من المواطنين البسطاء.. وهذا شيء طبيعي تعودنا عليه من حكومتنا الموقرة فلا تتحرك إلا عقب وقوع الكارثة.. والكارثة ان التحرك لم يستمر طويلاً ويكون بهدف تهدئة الرأي العام فقط.. فعندما غرقت العبّارة السلام 98 في مثل هذا الوقت من العام الماضي وراح ضحيتها أكثر من ألف مواطن انهالت علينا التصريحات الوردية من كبار المسئولين تتوعد بمحاكمة المسئولين المتسببين في الكارثة وعقد مجلس الشعب جلسات عديدة لمناقشة القضية وخصص مجلس الشوري جلسات كثيرة لبحث المصيبة وأعرب مجلس الوزراء في بيان له عن حزنه الشديد للفاجعة وبعد أيام قليلة ماتت القضية ودفنت مع جثث القتلي الأبرياء. وما حدث في كارثة العبّارة السلام 98 تكرر من قبل في حادث كارثة العبّارة سالم اكسبريس وحوادث قطارات الصعيد وكفر الدوار وقليوب ويتكرر يومياً في حوادث الطرق التي يقتل فيها العشرات بسبب الفساد الحكومي.. المصيبة ان حكومتنا الموقرة وهي تهدف إلي تهدئة الرأي العام تقدم لنا معلومات مغلوطة وتقارير "مضروبة" كما تقدم كذلك كبش فداء وغالباً ما يكون سائق قطار مصاباً بالمستشفي أو ربان باخرة غرق في أعماق البحر بينما نترك المتهم الحقيقي يجلس علي مقاعد السلطة ويتاجر بالنفوذ ويرتكب المخالفات الصارخة والجرائم الخطيرة ولم لا وهذا المجرم متسلح بحصانة المنصب أو حصانة المال والنفوذ والسلطة والجاه. نعود إلي قضية أكياس الدم الملوثة المثارة حالياً والتي جعلتني افتح ملف الغش التجاري في الأسبوعين الماضيين - في هذا المكان - بعد ان تحول إلي ظاهرة خطيرة انتشرت في الآونة الأخيرة وأصبحت كابوساً مخيفاً لكافة طبقات الشعب. كنت ضيفاً مساء أمس الأول في برنامج "شارع الكلام" بالقناة الثقافية المصرية لمناقشة هذه القضية الخطيرة واستمعت إلي انزعاج المواطنين من انتشار الظاهرة وذلك عن طريق المداخلات الهاتفية وعلمت من الزميلة جيهان الفقي معدة الفقرة ان عشرات المكالمات الهاتفية انهالت علي القناة للتعبير عن الاستياء الشديد والفزع من انتشار ظاهرة الأغذية الفاسدة والأدوية المغشوشة والمستلزمات الطبية الملوثة التي تؤدي إلي إصابة المواطنين بشتي الأمراض بل تؤدي إلي وفاة الكثيرين منهم. ويمكن القول انه اذا كان للأجهزة الرقابية دور مهم في محاربة أباطرة الأغذية الفاسدة أو الأدوية المغشوشة إلا ان العقوبات الهزيلة وغير الرادعة المنصوص عليها في قانون الغش التجاري لها دور أكثر أهمية لان عصابات تلك الأغذية تستغل ثغرات ذلك القانون "الفاسد" لترويج سمومهم علي المواطنين الأبرياء من أجل تحقيق الثراء السريع علي حساب صحة المواطن. فإذا نظرنا إلي عقوبات قانون الغش التجاري المعمول به حالياً نجد انها غير رادعة ولا يمكن بأي حال من الأحوال ان تقضي علي هذه الظاهرة الخطيرة فالمادة الثانية منه تنص علي: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز 5 سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تتجاوز 30 ألف جنيه.. كل من غش أو شرع في ان يغش شيئاً من أغذية الإنسان أو الحيوان أو من العقاقير الطبية أو الأدوية أو من الحاصلات الزراعية أو الطبية أو من المنتجات الصناعية أو من طرح أو عرض للبيع أو باع شيئاً من هذه الأغذية كانت منتهية الصلاحية أو فاسدة مع علمه بذلك". المادة السابقة من هذا القانون تؤكد - ما سلفت الاشارة اليه - بأن العقوبات هزيلة ولا تتناسب مع الجرم المرتكب فعقوبة من يبيع أغذية فاسدة أو أدوية مغشوشة أو لحوم كلاب وحمير وخنازير عمداً هي جنحة عقوبتها الحبس سنة وقد تكون مع ايقاف التنفيذ "يا بلاش"!! وفي مادة أخري من قانون الغش التجاري أو قانون "الفساد التجاري" يتم معاقبة التاجر الذي يبيع الأغذية الفاسدة أو الأدوية المغشوشة وأدت إلي إصابة شخص بعاهة مستديمة بالسجن 3 سنوات وغرامة 25 ألف جنيه!! ولعل أخطر المواد الخاصة بقانون الغش التجاري تلك المادة التي تعاقب التاجر الذي يبيع الأغذية الفاسدة وأدت إلي وفاة شخص أو أكثر بالأشغال الشاقة المؤبدة وغرامة من 50 إلي 100 ألف جنيه.. وخطورة هذه المادة انها لم تحدد عدد الأشخاص القتلي بمعني انه في حالة وفاة 10 آلاف شخص مثلاً يتم معاقبة التاجر بنفس العقوبة وهي الأشغال الشاقة المؤبدة!! يا سادة: الظاهرة خطيرة والقضية كبيرة والمصيبة شديدة يجب أن تتحرك الحكومة لإجراء تعديل تشريعي عاجل لتغليظ العقوبات لردع المجرمين من عصابات قتل البشر.. يجب رفع العقوبة إلي الإعدام في حالة وفاة شخص أو أكثر لأن جريمة بيع الأغذية الفاسدة أكثر خطورة من جريمة بيع المخدرات والتي يعاقب فيها قانون العقوبات بالإعدام لأن متعاطي المخدرات هو الذي يلجأ للشراء مع علمه باضرارها بينما الذي يتناول الأغذية الفاسدة أو الأدوية المغشوشة لا يعلم بفسادها.. وفي نفس الوقت فان جريمة الأغذية الفاسدة شبيهة تماماً بجريمة القتل باستخدام مادة السم والتي يعاقب فيها قانون العقوبات بالإعدام لأن بائع هذه الأغذية يعلم انها سموم قاتلة ورغم ذلك يقوم ببيعها بل انه يتلاعب في بيانات تاريخ الانتاج والصلاحية وهذا يؤكد انها جريمة يتوافر فيها أركان القتل العمد.