gamal abd alrahim.............................جمال عبد الرحيم

...... وما استعصى على قوم منال اذا الاقدام كان لهم ركابا

الاثنين، مارس ١٩، ٢٠٠٧

حكومة غير شرعية

يبدو ان حكومتنا الموقرة استيقظت أخيراً من نومها العميق علي كابوس مزعج وهو ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي يلجأ إليها الشباب هرباً من شبح البطالة الذي يطاردهم أملاً في تحسين أحوالهم المعيشية ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه خاصة إذا أتت الرياح بما لا تشتهي سفنهم القديمة المتهالكة فيبتلعهم البحر ويعود من لقي حتفه جثة هامدة ويقبع من كتب له النجاة خلف قضبان السجن وهو يندب حظه ويجتر أحزانه. والحق يقال ان تحرك حكومتنا جاء من خلال السيدة عائشة عبدالهادي وزيرة القوي العاملة والهجرة التي بذلت جهداً ملموساً في الآونة الأخيرة لمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية بعد تزايدها بصورة كبيرة في السنوات الماضية حيث وقعت مع الحكومة الإيطالية اتفاقية لتنظيم الحاق العمالة المصرية الموسمية للعمل في السوق الإيطالية من خلال برنامج لتدريب العمالة الفنية والحرفية المصرية.. كما وقعت اتفاقية أخري لتوفيق أوضاع المصريين وتعزيز مجالات تدريب العمالة لتلائم أسواق العمل في إيطاليا.. كما نظمت الوزارة العديد من المؤتمرات والندوات شارك فيها بعض الوزراء والسفير الإيطالي بالقاهرة لتوعية الشباب بمخاطر الهجرة غير الشرعية. ورغم الجهود التي تبذلها وزارة القوي العاملة والهجرة لإنقاذ الشباب من كوارث الهجرة غير الشرعية إلا أن ذلك لا يكفي للقضاء علي تلك الظاهرة الخطيرة المرعبة والتي تؤدي إلي غرق العشرات منهم وسقوط الآلاف في قبضة السلطات الأوروبية سنوياً.. الأمر يتطلب معالجة حقيقية تعتمد علي مواجهة عصابات تهريب البشر وتشمل تغيير السياسات الاقتصادية الحكومية التي تدفع بالشباب إلي الموت. بحثاً عن فرصة عمل تنقذهم من شبح البطالة. ويمكن القول ان غرق الشباب المصري في أعماق البحر المتوسط جريمة لا يجب ان تمر بدون توجيه الاتهام إلي السياسات الحكومية الخاطئة في التعامل مع مشكلة البطالة.. كما لا يجب أن تمر دون انتقاد سياسة الاتحاد الأوروبي التي تعتمد فقط علي الحلول الأمنية لمواجهة تفاقم ظاهرة الهجرة بالقوارب المطاطية للوصول إلي السواحل الأوروبية. ويمكن القول أيضا ان تزايد ظاهرة الهجرة غير الشرعية يأتي كرد فعل طبيعي من جانب الشباب علي فشل السياسات الحكومية.. فاستمرار الحكومة في سياسة الاعتماد علي القطاع الخاص فقط لتوفير فرص عمل جديدة يؤدي إلي تفاقم كارثة البطالة التي تدفع الشباب إلي الانتحار الجماعي في أعماق البحر المتوسط.. وفي ظل العمل باقتصاد السوق تم إلغاء تعيين الخريجين منذ عام 1984 سواء الحاصلون علي المؤهلات المتوسطة أو العليا الذين يمثلون الشريحة الأكبر من محاولي الهروب إلي أوروبا وهؤلاء الخريجون تركتهم الحكومة نهباً للبطالة لعدم قدرتها علي طرح حلول حقيقية وجذرية لمشكلة البطالة المتفاقمة ونتيجة لتخلي الحكومة عن مسئوليتها تجاه هؤلاء الشباب الذين يواجهون تراجع معدلات النمو الاقتصادي بسبب الخصخصة وانسحاب الدولة من المشروعات الانتاجية وضعف القطاع الخاص وعدم قدرته علي استيعاب العاطلين بتوفير فرص عمل لهم. يا سادة: يكاد لا يمر أسبوع إلا ويصل إلي مطار القاهرة المئات من الشباب المرحلين عقب سقوطهم في قبضة سلطات الدول الأوروبية والعربية المختلفة.. ويكاد لا يمر عام إلا ونفاجأ بحادثة مروعة يتعرض لها فوج من الشباب الحالم بالسفر إلي شاطيء الثراء علي الجانب الآخر من البحر المتوسط وتعود إلينا جثثهم بعد أن يغرق مركبهم وتضيع أموالهم وتتلاشي أحلامهم.. وهناك خسائر أخري بخلاف الموت والتعرض لمهانة الاعتقال والترحيل وأهمها تشويه سمعة مصر والإضرار بمصالح المواطنين الراغبين في الحصول علي تأشيرات حقيقية والسفر القانوني إلي تلك البلدان. أتمني ان تستمر حكومتنا الموقرة في تحركها لمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية وان يمتد هذا التحرك ليشمل إجراء تعديلات تشريعية لتغليظ العقوبات علي عصابات التهريب والنصب علي الشباب والتي لا تخضع لتجريم رادع وتندرج تحت مفهوم مزاولة مهنة السياحة بدون ترخيص وهي عقوبة بسيطة لا تحقق الردع. أتمني أن تصدق حكومتنا في وعودها بتوفير فرص عمل حقيقية واعتماد سياسة اقتصادية وتنموية جديدة تكون قادرة علي استيعاب ملايين العاطلين أو منحهم قروضاً ميسرة لافتتاح مشروعات صغيرة تساعدهم علي المعيشة وتوعية الشباب بالمخاطر والأهوال التي تصل إلي الموت في المحاولات اليائسة للهروب من البطالة والفقر. ونهاية يمكن القول ان حكومتنا إذا فشلت في القضاء علي ظاهرة الهجرة غير الشرعية فانها تصبح حكومة غير شرعية وتعديلاتها غير دستورية.