gamal abd alrahim.............................جمال عبد الرحيم

...... وما استعصى على قوم منال اذا الاقدام كان لهم ركابا

الأربعاء، أبريل ٠٥، ٢٠٠٦

الموت غرقا

يبدو أن الشباب المصري مكتوب عليه الموت غرقاً في أعماق البحار.. ويبدو أن تلك البحار اعتادت علي ابتلاع الشباب وتقديم جثثهم وجبات دسمة للأسماك.. فهناك من مات في البحر الأحمر اثناء عودته بعد سنوات غربة طويلة وغرقت معه تحويشة عمره واحلامه وطموحاته كما حدث مؤخراً في كارثة العبارة السلام 98 ومن قبلها سالم اكسبريس.. وهناك من يموت في البحر المتوسط أثناء محاولته السفر إلي بعض البلدان الأوربية بحثاً عن فرصة عمل وتلك هي القضية المهمة التي تحولت إلي ظاهرة خطيرة في السنوات الأخيرة. القصة باختصار أن الشباب يلجأ إلي الهجرة غير الشرعية هرباً من شبح البطالة الذي يطاردهم وأملاً في تحسين أحوالهم المعيشية.. ولكن ليس كل مايتمناه المرء يدركه خاصة إذا أتت الرياح بما لا تشتهي سفنهم القديمة المتهالكة فيبتلعهم البحر ويعود من لقي حتفه جثة هامدة ويقبع من كتب له النجاة خلف قضبان السجن وهو يندب حظه ويجتر احزانه. الاحصاءات الرسمية مزعجة ومخيفة.. فهناك أكثر من نصف مليون شاب غادروا البلاد وبطرق غير شرعية.. وهناك أكثر من 30 ألف شاب تم ترحيلهم من الخارج خلال السنوات الخمس الأخيرة فقط.. وبالرغم من ذلك تقف حكومتنا عاجزة عن مواجهة المشكلة وكعادتها لا تتحرك إلا بعد وقوع الكارثة وسرعان ماتعود إلي ماكانت عليه.. فعندما غرق أحد المراكب في ابريل 2004 في أعماق البحر المتوسط ولقي 42 شخصاً مصرعهم من قرية ميت ناجي بمركز ميت غمر بالدقهلية سمعنا تصريحاتپرنانة من كبار المسئولين ثم سرعان مادفنت هذه التصريحات مع جثث الموتي. يكاد لا يمر أسبوع إلا ويصل إلي مطار القاهرة العشرات بل المئات من الشباب المرحلين عقب سقوطهم في قبضة سلطات الدول الأوربية والعربية المختلفة.. يكاد لا يمر عام إلا ونفاجأ بحادثة مروعة يتعرض لها فوج من الشباب الحالم بالسفر إلي.. شاطئ الثراء.. علي الجانب الآخر من البحر المتوسط وتعود إلينا جثثهم بعد أن يغرق مركبهم وتضيع أموالهم وتتلاشي أحلامهم. أسباب الظاهرة معروفة للجميع وهي زيادة اعداد الخريجين عاماً بعد عام وقلة فرص العمل مما يؤدي إلي زيادة نسبة البطالة الأمر الذي يدفع الشباب إلي قبول أدني الأعمال في الخارج نظراً لوجودهم بطرق غير شرعية في ظل الأمل المفقود لهم داخل بلادهم. وهناك أسباب أخري منها ضعف التشريعات التي تتصدي لعصابات التهريب والنصب علي الشباب والتي لا تخضع لتجريم رادع وتندرج تحت مفهوم مزاولة مهنة السياحة بدون ترخيص وهي عقوبة بسيطة لا تحقق الردع وتعد جنحة نصب لا تزيد عقوبتها علي الحبس مدة عامين رغم خطورتها!! الحلول المقترحة للحد من هذه الظاهرة كثيرة منها توفير فرص عمل مناسبة للشباب عقب تخرجهم مباشرة أو منحهم قروضاً ميسرة لافتتاح مشروعات صغيرة تساعدهم في المعيشة علاوة علي تغليظ العقوبة علي أصحاب الشركات التي تنصب علي الشباب لتحقيق الردع المطلوب. وهناك مقترحات أخري منها ضرورة توعية الشباب بمخاطر التحايل واتباع رسائل غير شرعية في السفر لأنها لا تؤدي فقط إلي خسائر معنوية ومادية تتمثل في الموت والتعرض لمهانة الاعتقال والترحيل بل أيضاً تؤدي إلي تشويه سمعة مصر والاضرار بمصالح بقية المواطنين الراغبين في الحصول علي تأشيرات حقيقية والسفر القانوني إلي تلك البلدان. وفي النهاية يمكن القول انه رغم تكرار حوادث الغرق الجماعية في أعماق البحر المتوسط فوق قوارب الموت المتهالكة التي تبحر إلي المجهول في جنح الظلام قبل أن تأتي إلينا جثثهم إن أتت في نعوش إلا أن رحلات الموت لا تتوقف.. ورغم سقوط الآلاف في قبضة سلطات الدول المختلفة قبل ترحيلهم إلينا وفي أيديهم القيود الحديدية إلا أن عمليات الهجرةa غير الشرعية مستمرة.. القضية ياسادة أكبر من أن ندفن رؤوسنا في الرمال أو أن نتبع منهج جحا في الحياة "طالما أن المسألة لم تصل إلي بيته" الأمر خطير ويحتاج إلي تحرك سريع لانقاذ شبابنا من الموت غرقاً!!